روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | السبق الاقتصادي.. للعرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > السبق الاقتصادي.. للعرب


  السبق الاقتصادي.. للعرب
     عدد مرات المشاهدة: 2869        عدد مرات الإرسال: 0

لقد تعددت المعابر التي سلكتها الحضارة العربية الإسلامية في وصولها إلى الغرب الأوربي، فكانت ثلاثة معابر، اختلفت فيما بينها من حيث النشاط وكمية المنقول الثقافي.

وهذه المعابر هي: بلاد الشام، وصقلية، والأندلس.
 
إن نظرة فاحصة للمنقول من عناصر الحضارة العربية الإسلامية والطريق الذي عبره,

تدلنا على أن الأندلس كانت الجسر الأهم في عملية انتقال الحضارة العربية؛ ذلك لأن الاحتكاك الأوربي بالعرب، استمر مع المشرق وصقلية فترة ثلاثة قرون، بينما استمر ثمانية قرون مع الأندلس.
 
ففي ميدان الصناعة، تجلت مهارة العرب واضحة، حيث أقبلت أوربا في العصور الوسطى على المنسوجات العربية إقبالًا كبيرًا.
 
وقد انتقلت معظم الصناعات العربية إلى الغرب الأوربي عن طريق عرب الأندلس وصقلية والمغرب.

فصناعة الجلود اشتهرت بصورة مميزة في مدينة قرطبة، حتى أطلق الأوربيون على النوع الممتاز من الجلود اسم (الجلد القرطبي).

واهتم العرب أيضًا بالصناعات المعدنية، معتمدين على المناجم المتوافرة من نحاس وزئبق وحديد وفضة وذهب.

وأتقنوا الصناعة الفولاذية، وصناعة السلاح والسيوف التي اشتهرت في طليطلة، وصناعة مفاتيح الأبواب.
 
لذا، يعتقد لوبون أن يكون الأوربيون قد اقتبسوا صناعة الحلي الذهبية من تلك السلع العربية، التي دخلت أوربا عن طريق التجارة، أو التي جلبها الصليبيون معهم عند عودتهم من المشرق العربي.
 
ويذكر كريستي في كتابه (تراث الإسلام)، وجوستاف لوبون في كتابه (حضارة الإسلام) أنه عندما ازدهرت التجارة بين الشرق والغرب.

أقبل الأمراء الإيطاليون إقبالًا منقطع النظير على التحف والحلي العربية.
 
إن أهم ما استفادته أوربا، كان صناعة الورق عبر المغرب والأندلس، كما أشار إلى ذلك الإدريسي سنة 1150م.
 
وعندما عرف الأوربيون الورق عن العرب في ذلك التاريخ أطلقوا عليه اسم (الصحائف الدمشقية)؛ نظرًا لأن دمشق كانت سوقًا رئيسًا لتجارة الورق في ذلك العصر.

وكانت أولى المصانع التي أقامها العرب لصناعة الورق في الأراضي الأوربية في صقلية وإسبانيا.
 
يقول الدكتور إبراهيم زعرور في كتابه (المؤتمرات الحضارية العربية الإسلامية): من صقلية انتقلت صناعة الورق إلى إيطاليا، ومن إسبانيا إلى غرب أوربا.
 
ويشهد على أثر العرب في هذا الجانب، تعدد المصطلحات العربية المتعلقة بالورق وصناعته، والتي ما زال بعضها مستخدمًا بلفظه العربي في اللغات الأوربية.

أيضًا نقل الغرب عن العرب صناعة الخزف التي انتشرت في إسبانيا.

وما زالت المتاحف الأوربية تحوي كثيرًا من الأواني الخزفية التي صنعت تقليدًا لأواني عرب الأندلس. ويستدل على هذا التقليد مما عليها من كتابات عربية محرفة.
 
كما استفاد الأوربيون من العرب الأندلسيين على صعيد صناعة السفن، التي كانت وما زالت لها أهميتها القصوى في الحياة الاقتصادية.
 
فعن العرب أخذ الأوربيون وخاصة في إيطاليا وإسبانيا صناعة طراز من السفن سُمِّي (العشاري) بـ(العشاريات)؛ لأنها كانت تتسع لعشرة أشخاص؛ ولأن العرب هم أول من استخدم السفن ذات الأشرعة الثلاثية، فقد اقتبس الغرب من العرب مبدأ الشراع المثلث وطوروه، مما مكنهم من بناء سفن ضخمة.
 
وللعرب في الأندلس فضل السبق في تعليم الغربيين صناعة الزجاج والكريستال، التي ابتكرها ودلَّ عليها العالم العربي الأندلسي عباس بن فرناس خلال القرن التاسع الميلادي.

وقد أشار إلى ذلك الدكتور علي أحمد في كتاب (المؤتمرات الحضارية العربية الإسلامية في الغرب الأوربي).
 
وقام الأندلسيون كذلك بتعليم الغرب الأوربي طريقة تبليط الدور والشوارع وإنارتها في الليل، وطريقة استخدام الريح في تحريك الطواحين الهوائية.
 
ولم يقصّر العرب في مجال الزراعة، فعن طريق الأندلس وصقلية، عرف الغرب الأوربي طريقة دراسة طبيعة الأرض وتحليلها؛ كي تزرع بالمحصول المناسب الذي يمتاز بوفرة إنتاجه وجودته.
 
وحتى لا تنهك الأرض بزراعات متعددة، كان العرب ينوعون الزراعات بالتناوب.
 
وقام العرب بتعريف الأوربيين على مسألة العناية بالحدائق العامة والخاصة، من حيث اختيار الموقع وتنوع الأشجار والنباتات.
 
وقد استقل علم الزراعة العربي في إسبانيا عن مباحث الطب والنبات، ليصبح في إسبانيا يتمتع باستقلال تام.
 
ومما يجدر ذكره أن محاصيل عديدة زرعت في الغرب الأوربي من خلال عرب الأندلس وصقلية، مثل محصول الذرة، والقمح القاسي، والأرز والسكاكر والحلويات وزراعة السبانخ والزعتر البري والكرز والرمان وجوز الهند والحامض واليوسيفي.
 
وكان هناك أيضًا الياسمين والزئبق، الذي تحول ليصبح شعار ملوك فرنسا، والنيلوفروالسوسن ثم النباتات البصلية، كالزعفران والنرجس، والأقحوان.
 
وقد ظهرت هذه النباتات والخضار خلال القرن الخامس عشر الميلادي في كثير من مناطق أوربا. إلى جانب كثير من أنواع الفواكه كالتين والعنب والتفاح والخوخ والسفرجل والأجاس.
 
ولم يتوقف تأثير العرب على الغرب عند هذا، بل إن العرب هم الذين علموا الأوربيين طريقة حجز الماء وتجميعه في سدود أو مستودعات، ونقله بعد ذلك عبر قنوات مفتوحة، ورفعه بواسطة دواليب الماء والنواعير.

وأول ما وصلت هذه الوسائل إلى بلجيكا وهولندا كان اعتبارًا من القرن الرابع عشر الميلادي.
 
وقد تعلم الأوربيون من العرب كيفية حفر الترع والقنوات التي كانت مجهولة قبلهم.

وطوروا إلى جانب ذلك الدورات الزراعية، وفن استخدام الأراضي الزراعية من أجل محصول وفير غزير.
 
وهكذا فإن المؤثرات العربية في حقول الصناعة والزراعة والتجارة والحرف ما زالت بارزة المعالم في أوربا.
 
ختامًا أقول: إن الفوائد التي أهداها العرب إلى الأوربيين في ميدان الاقتصاد والحياة الاقتصادية والنشاط الاقتصادي بمجالاته المختلفة كثيرة لا حصر لها.

وما أشرنا إليه يُثبت السبق الاقتصادي للعرب على الغرب.
 
الكاتب: د. زيد بن محمد الرماني

المصدر: شبكة الألوكة